معضلة الزواج بنية الطلاق
منقول
د.يوسف بن أحمد القاسم
في
كل إجازة يتجه شباب وكهول من بلادنا شطر بعض الدول العربية والإسلامية
ليعقدوا قرانهم على بنات في سن الشباب, وأحياناً يعقد هؤلاء الرجال في
السفرة الواحدة على امرأتين أو ثلاث, وكل هذه الزيجات تعقد بنية
الطلاق...! فالرجل ينكح المرأة لا ليسكن إليها, ويرتبط معها برابطة المحبة
والمودة والرحمة, وينجب منها الأبناء والبنات (ومن آياته أن خلق لكم من
أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) ولكنه ينكحها
ليستمتع بها ثم يطلقها, أي لينزو عليها كما ينزو الحمار على الأتان, وكما
ينزو البعير على الناقة لمدة أسبوعين أو ثلاثة أو أربعة, ثم ينزل عنها,
لينزو على ثانية وثالثة, وهكذا..., بل إن فحول بعض الحيوانات أكثر مودة
ورحمة من بعض أولئك الفحول الآدميين...!
وبعض
من يمارس هذا المنكر يحتج بأنه مقلد لجمهور الفقهاء الذين قالوا بجواز
النكاح بنية الطلاق...! والواقع أن من يقول ذلك فقد أبعد النجعة؛ لمبررات
عدة, منها:
إن أقوال الفقهاء ليست أدلة يحتج بها, ولكنها آراء يستضاء بها, ولا يحتج العالم ولا المقلد إلا بالأدلة الشرعية فقط.
إن
العامي المقلد لا يجوز له أن يتتبع الرخص, ولكن عليه أن يأخذ برأي العالم
الأوثق في كل المسائل الفقهية, وإن رابه شك في فتوى ما, وتوجس منها خللاً
أو خطأ, فليسأل آخر ممن يثق بعلمه ودينه (البر ما اطمأنت إليه النفس
واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك
الناس وأفتوك) وهل تطمئن نفس المؤمن وقلبه لنكاحٍ يخدع فيه المرأة, ويبدي
لها فيه صدق المودة والمحبة, وهو يضمر الفرقة والطلاق خلال أيام قلائل...؟
إن
من يجيز هذا النكاح لابنة غيره لصالح نفسه, لا يرضاه لابنته وأخته لصالح
غيره, فكيف يحتج بآراء الفقهاء على فعل نفسه, ولا يحتج بها على فعل غيره؟
وكيف يسمح هذا الزوج لنفسه أن يخادع غيره بإضمار نية الطلاق, ولا يسمح
لغيره أن يخادعه بإضمار هذه النية؟ وإذا كانت نية التحليل للمطلق ثلاثاً
محرمة, وباطلة شرعاً, فكيف إذن تجوز نية إضمار الطلاق عند عقد النكاح,
وكلاهما من عمل القلب, لا الجوارح؟
إن
الفقهاء الذين أجازوا النكاح بنية الطلاق, لم يجيزوه بالصورة التي نراها
اليوم, حيث ينشئ السفر, ويحزم أمتعته؛ لغرض النكاح بنية الطلاق, ولأجل أن
يشبع شهوته الجنسية, وحسب, وإنما من أجاز هذا النكاح, فهو إنما أجازه في
عصرٍ له ظروفه الخاصة وحاجاته, حين كان الرجل يسافر لمدة طويلة, فيسافر لا
لغرض النكاح بنية الطلاق, وإنما لغرض طلب العلم, أو الرزق (التجارة), أو
العلاج... إلخ, وحيث إنه يبقى لمدة طويلة, بسبب بُعْد الشقة, وتواضع وسائل
المواصلات في ذلك الوقت, فربما تعرض لطول المدة (التي قد تستمر لشهور,
وربما سنين) إلى الفتنة بالنساء لبعد عهده بهن, لذلك قالوا بالجواز, ولا
سيما أن كثيراً من تلك الزيجات قد تستمر بسبب ما يكون بين الزوجين من
المودة والسكن, فيتراجع الزوج عن النية التي بيَّتها للطلاق؛ لأن نيته في
الأساس كانت نية طيبة, لا خبيثة.
أما
النكاح بنية الطلاق في عصرنا الحاضر, فإنه أضحى ذا طابع خاص, حيث ينشئ
الرجل السفر لغرض الزواج, وأحياناً يقترض لهذا الغرض, وحدثني أحد الإخوة
أن بعض هؤلاء الأزواج يبيع سيارته وبعض حاجياته لهذا الغرض, وأحياناً
يسافر في العام ثلاث مرات أو أربع "حسب إجازات نصف العام, وآخره, وإجازة
الفطر, والأضحى! " والمؤسف أن بعض هؤلاء الأزواج, هم ممن يخدع أولئك
البنات المسكينات بمظهره المحافظ عياذاً بالله! فيزداد الطين بلة...!
ولا
أدري كيف يخرَّج هذا النكاح الذي ينشئ فيه الزوج السفر لغرض الزواج بنية
الطلاق, كيف يخرَّج هذا على ما ينشئ فيه الزوج النكاح بنية الطلاق لغرض
السفر؟ لقد انقلب المقصد رأساً على عقب...! ولهذا كثير من الأولياء الذين
يتقدم إليهم هذا النوع من الفحول (...) يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم
يتقدمون إلى بناتهم لغرض النكاح بنية الطلاق, فيسمحون بتزويج بناتهم -
وكثيراً ما يكنَّ أبكارا - طمعاً في أموال هؤلاء الأزواج, ونظراً لضيق ذات
اليد! فأصبح هذا النكاح أشبه بنكاح المتعة الذي أجمع العلماء على تحريمه؛
لما فيه من تواطؤ الطرفين على التوقيت, وإن لم يكن مصرحاً به عند العقد,
والعلماء الذين أجازوا النكاح بنية الطلاق اشترطوا ألا يكون هناك تواطؤ من
الطرفين.
وحتى
لو لم يشعر أهل الزوجة بما يضمره الزوج من نية الطلاق, فإن الفرق ظاهر بين
ما أجازه جمهور الفقهاء - كما تقدم - وبين ما يفعله الناس اليوم, حتى أصبح
كثير من هؤلاء البنات الضحايا داعرات بسبب هذه الزيجات المكررة منذ نعومة
أظفارهن, حيث تعلم هذه البنت الضحية أنها تتزوج من أجل أن ينزو عليها
الرجل, ويستمتع بها, لا لأجل أن تفتح بيتاً للزوجية تنعم فيه بحياة
سعيدة..., وهكذا بتوارد الرجال عليها مع علمها بقرب ساعة الفراق-كما
تعودت- تصبح هذه البنت الضحية مع مرور الزمن متشوفة إلى نزو الرجال عليها,
متطلعة إلى تواردهم عليها, فتتخرج من تلك الأسر الفقيرة بنات داعرات
بامتياز على شرف أولئك الأزواج المجرمين, وأحياناً برعاية كريمة من رب
الأسرة, الذي باع شرف ابنته وسعادتها بثمن بخس دراهم معدودة
منقول
د.يوسف بن أحمد القاسم
في
كل إجازة يتجه شباب وكهول من بلادنا شطر بعض الدول العربية والإسلامية
ليعقدوا قرانهم على بنات في سن الشباب, وأحياناً يعقد هؤلاء الرجال في
السفرة الواحدة على امرأتين أو ثلاث, وكل هذه الزيجات تعقد بنية
الطلاق...! فالرجل ينكح المرأة لا ليسكن إليها, ويرتبط معها برابطة المحبة
والمودة والرحمة, وينجب منها الأبناء والبنات (ومن آياته أن خلق لكم من
أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) ولكنه ينكحها
ليستمتع بها ثم يطلقها, أي لينزو عليها كما ينزو الحمار على الأتان, وكما
ينزو البعير على الناقة لمدة أسبوعين أو ثلاثة أو أربعة, ثم ينزل عنها,
لينزو على ثانية وثالثة, وهكذا..., بل إن فحول بعض الحيوانات أكثر مودة
ورحمة من بعض أولئك الفحول الآدميين...!
وبعض
من يمارس هذا المنكر يحتج بأنه مقلد لجمهور الفقهاء الذين قالوا بجواز
النكاح بنية الطلاق...! والواقع أن من يقول ذلك فقد أبعد النجعة؛ لمبررات
عدة, منها:
إن أقوال الفقهاء ليست أدلة يحتج بها, ولكنها آراء يستضاء بها, ولا يحتج العالم ولا المقلد إلا بالأدلة الشرعية فقط.
إن
العامي المقلد لا يجوز له أن يتتبع الرخص, ولكن عليه أن يأخذ برأي العالم
الأوثق في كل المسائل الفقهية, وإن رابه شك في فتوى ما, وتوجس منها خللاً
أو خطأ, فليسأل آخر ممن يثق بعلمه ودينه (البر ما اطمأنت إليه النفس
واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك
الناس وأفتوك) وهل تطمئن نفس المؤمن وقلبه لنكاحٍ يخدع فيه المرأة, ويبدي
لها فيه صدق المودة والمحبة, وهو يضمر الفرقة والطلاق خلال أيام قلائل...؟
إن
من يجيز هذا النكاح لابنة غيره لصالح نفسه, لا يرضاه لابنته وأخته لصالح
غيره, فكيف يحتج بآراء الفقهاء على فعل نفسه, ولا يحتج بها على فعل غيره؟
وكيف يسمح هذا الزوج لنفسه أن يخادع غيره بإضمار نية الطلاق, ولا يسمح
لغيره أن يخادعه بإضمار هذه النية؟ وإذا كانت نية التحليل للمطلق ثلاثاً
محرمة, وباطلة شرعاً, فكيف إذن تجوز نية إضمار الطلاق عند عقد النكاح,
وكلاهما من عمل القلب, لا الجوارح؟
إن
الفقهاء الذين أجازوا النكاح بنية الطلاق, لم يجيزوه بالصورة التي نراها
اليوم, حيث ينشئ السفر, ويحزم أمتعته؛ لغرض النكاح بنية الطلاق, ولأجل أن
يشبع شهوته الجنسية, وحسب, وإنما من أجاز هذا النكاح, فهو إنما أجازه في
عصرٍ له ظروفه الخاصة وحاجاته, حين كان الرجل يسافر لمدة طويلة, فيسافر لا
لغرض النكاح بنية الطلاق, وإنما لغرض طلب العلم, أو الرزق (التجارة), أو
العلاج... إلخ, وحيث إنه يبقى لمدة طويلة, بسبب بُعْد الشقة, وتواضع وسائل
المواصلات في ذلك الوقت, فربما تعرض لطول المدة (التي قد تستمر لشهور,
وربما سنين) إلى الفتنة بالنساء لبعد عهده بهن, لذلك قالوا بالجواز, ولا
سيما أن كثيراً من تلك الزيجات قد تستمر بسبب ما يكون بين الزوجين من
المودة والسكن, فيتراجع الزوج عن النية التي بيَّتها للطلاق؛ لأن نيته في
الأساس كانت نية طيبة, لا خبيثة.
أما
النكاح بنية الطلاق في عصرنا الحاضر, فإنه أضحى ذا طابع خاص, حيث ينشئ
الرجل السفر لغرض الزواج, وأحياناً يقترض لهذا الغرض, وحدثني أحد الإخوة
أن بعض هؤلاء الأزواج يبيع سيارته وبعض حاجياته لهذا الغرض, وأحياناً
يسافر في العام ثلاث مرات أو أربع "حسب إجازات نصف العام, وآخره, وإجازة
الفطر, والأضحى! " والمؤسف أن بعض هؤلاء الأزواج, هم ممن يخدع أولئك
البنات المسكينات بمظهره المحافظ عياذاً بالله! فيزداد الطين بلة...!
ولا
أدري كيف يخرَّج هذا النكاح الذي ينشئ فيه الزوج السفر لغرض الزواج بنية
الطلاق, كيف يخرَّج هذا على ما ينشئ فيه الزوج النكاح بنية الطلاق لغرض
السفر؟ لقد انقلب المقصد رأساً على عقب...! ولهذا كثير من الأولياء الذين
يتقدم إليهم هذا النوع من الفحول (...) يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم
يتقدمون إلى بناتهم لغرض النكاح بنية الطلاق, فيسمحون بتزويج بناتهم -
وكثيراً ما يكنَّ أبكارا - طمعاً في أموال هؤلاء الأزواج, ونظراً لضيق ذات
اليد! فأصبح هذا النكاح أشبه بنكاح المتعة الذي أجمع العلماء على تحريمه؛
لما فيه من تواطؤ الطرفين على التوقيت, وإن لم يكن مصرحاً به عند العقد,
والعلماء الذين أجازوا النكاح بنية الطلاق اشترطوا ألا يكون هناك تواطؤ من
الطرفين.
وحتى
لو لم يشعر أهل الزوجة بما يضمره الزوج من نية الطلاق, فإن الفرق ظاهر بين
ما أجازه جمهور الفقهاء - كما تقدم - وبين ما يفعله الناس اليوم, حتى أصبح
كثير من هؤلاء البنات الضحايا داعرات بسبب هذه الزيجات المكررة منذ نعومة
أظفارهن, حيث تعلم هذه البنت الضحية أنها تتزوج من أجل أن ينزو عليها
الرجل, ويستمتع بها, لا لأجل أن تفتح بيتاً للزوجية تنعم فيه بحياة
سعيدة..., وهكذا بتوارد الرجال عليها مع علمها بقرب ساعة الفراق-كما
تعودت- تصبح هذه البنت الضحية مع مرور الزمن متشوفة إلى نزو الرجال عليها,
متطلعة إلى تواردهم عليها, فتتخرج من تلك الأسر الفقيرة بنات داعرات
بامتياز على شرف أولئك الأزواج المجرمين, وأحياناً برعاية كريمة من رب
الأسرة, الذي باع شرف ابنته وسعادتها بثمن بخس دراهم معدودة